استقلالية البنوك المركزية- بين الدروس التاريخية وأخطاء الماضي
المؤلف: علي محمد الحازمي11.09.2025

لقد شهد العالم، ولا سيما في القرن الحادي والعشرين، تدخلات متزايدة من الحكومات في السياسات النقدية أثناء الأزمات المتفاقمة، حيث تسعى هذه الحكومات إلى فرض سيطرتها المباشرة على تحديد أسعار الفائدة. هذا التوجه يمثل خروجاً صارخاً عن الاتجاهات التاريخية الراسخة والمعايير المالية الدولية المتعارف عليها، وعلى رأسها استقلالية البنوك المركزية. ولكن، ما هو الأصل التاريخي لفكرة استقلال البنوك المركزية؟ وكيف تطورت عبر الزمن؟
إن مفهوم استقلال البنوك المركزية يمتد بجذوره إلى تاريخ عريق. ففي وقت مبكر من العام 1824، حذر ديفيد ريكاردو، عالم الاقتصاد السياسي الكلاسيكي البارز، من خطورة منح الحكومات سلطة إصدار النقود الورقية، مؤكداً أنها ستسيء استخدام هذه السلطة حتماً. حتى نابليون بونابرت، الإمبراطور الفرنسي المعروف بنزعته الاستبدادية، صرح عند تأسيس بنك فرنسا بأنه يطمح إلى أن يكون البنك تحت إشراف الحكومة، ولكن ليس بشكل كامل. وفي القرن العشرين، ساد الاعتقاد بأن السياسة النقدية تمثل أداة حيوية لإدارة الحكومة للاقتصاد. ووفقاً للنظرة الكينزية السائدة آنذاك، كان من غير المنطقي أن تتخلى الحكومات عن رافعة اقتصادية هامة كالسيطرة على أسعار الفائدة.
إلا أن هذه الفكرة الراسخة بدأت تتغير في أعقاب أزمة الركود التضخمي التي اجتاحت العالم في سبعينيات القرن الماضي. حيث أكد خبراء الاقتصاد الكلاسيكيون الجدد، وعلى رأسهم ميلتون فريدمان، أن الحل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة يكمن في الزيادات المتواصلة والطويلة الأجل في أسعار الفائدة. ومع ذلك، كان فريدمان يرى أن الحكومات لا يمكن الوثوق بها في الحفاظ على أسعار الفائدة المرتفعة، نظراً لما ستسببه من ارتفاع في معدلات البطالة. لذلك، برزت الحاجة إلى بنك مركزي مستقل، يتمتع بعزلة عن الضغوط السياسية الحزبية، وقادر على اتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن استقلال البنوك المركزية يرتبط غالباً بتحقيق مستويات منخفضة من التضخم، إلا أن الأداء التاريخي لهذه البنوك لا يخلو من الشوائب. فبالعودة إلى العقد السابق، نجد أن البنوك المركزية المستقلة كانت مسؤولة جزئياً عن اندلاع الأزمة المالية العالمية في عامي 2007 و2008. فعلى سبيل المثال، كان قرار محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي آنذاك، آلان جرينسبان، بالإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة بشكل مصطنع، سبباً رئيسياً في فقاعة الإسكان التي شهدتها الولايات المتحدة، والتي تحولت في نهاية المطاف إلى ركود عالمي مدمر.
إن مفهوم استقلال البنوك المركزية يمتد بجذوره إلى تاريخ عريق. ففي وقت مبكر من العام 1824، حذر ديفيد ريكاردو، عالم الاقتصاد السياسي الكلاسيكي البارز، من خطورة منح الحكومات سلطة إصدار النقود الورقية، مؤكداً أنها ستسيء استخدام هذه السلطة حتماً. حتى نابليون بونابرت، الإمبراطور الفرنسي المعروف بنزعته الاستبدادية، صرح عند تأسيس بنك فرنسا بأنه يطمح إلى أن يكون البنك تحت إشراف الحكومة، ولكن ليس بشكل كامل. وفي القرن العشرين، ساد الاعتقاد بأن السياسة النقدية تمثل أداة حيوية لإدارة الحكومة للاقتصاد. ووفقاً للنظرة الكينزية السائدة آنذاك، كان من غير المنطقي أن تتخلى الحكومات عن رافعة اقتصادية هامة كالسيطرة على أسعار الفائدة.
إلا أن هذه الفكرة الراسخة بدأت تتغير في أعقاب أزمة الركود التضخمي التي اجتاحت العالم في سبعينيات القرن الماضي. حيث أكد خبراء الاقتصاد الكلاسيكيون الجدد، وعلى رأسهم ميلتون فريدمان، أن الحل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة يكمن في الزيادات المتواصلة والطويلة الأجل في أسعار الفائدة. ومع ذلك، كان فريدمان يرى أن الحكومات لا يمكن الوثوق بها في الحفاظ على أسعار الفائدة المرتفعة، نظراً لما ستسببه من ارتفاع في معدلات البطالة. لذلك، برزت الحاجة إلى بنك مركزي مستقل، يتمتع بعزلة عن الضغوط السياسية الحزبية، وقادر على اتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن استقلال البنوك المركزية يرتبط غالباً بتحقيق مستويات منخفضة من التضخم، إلا أن الأداء التاريخي لهذه البنوك لا يخلو من الشوائب. فبالعودة إلى العقد السابق، نجد أن البنوك المركزية المستقلة كانت مسؤولة جزئياً عن اندلاع الأزمة المالية العالمية في عامي 2007 و2008. فعلى سبيل المثال، كان قرار محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي آنذاك، آلان جرينسبان، بالإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة بشكل مصطنع، سبباً رئيسياً في فقاعة الإسكان التي شهدتها الولايات المتحدة، والتي تحولت في نهاية المطاف إلى ركود عالمي مدمر.
